ما هو الإجهاد التأكسدي؟

Oxidative Stress

0

الإجهاد التأكسدي هو عبارة عن اضطراب أو خلل في التوازن يحدث في جسم الإنسان بين نشاط الجذور الحرة من جهة ومضادات الأكسدة من جهة أخرى؛ وقد يؤدي هذا الخلل إلى تلف الخلايا والأنسجة. يحدث الإجهاد التأكسدي بشكل طبيعي، وهو يلعب دور رئيسي في عملية الشيخوخة.

في الواقع، تشير مجموعة كبيرة من الأدلة العلمية إلى أن الإجهاد التأكسدي طويل الأمد يساهم في تطور مجموعة من الأمراض المُزمنة قد تشمل: السرطان، السكري، وأمراض القلب. في المقال أدناه يمكنك أن تعرف أكثر عن الآلية التي يؤثر فيها الإجهاد التأكسدي على جسمك وكيف يمكن التصدي لهذا الإجهاد والوقاية منه.

مضادات الأكسدة في مواجهة الجذور الحرة !!

الجذور-الحرة-مضادات-الأكسدة

الجذور الحرة، هي جُزَيْئَات تحتوي على الأكسجين وعلى أعداد غير مزدوجة (فردية) من الإلكترونات، حيث تسمح الإلكترونات غير المتزاوجة أو الفردية للجذور الحرة بالتفاعل بسهولة مع الجزيئات الأخرى. هذا يعني أن الجذور الحرة يمكن أن تسبب سلسلة من التفاعلات الكيميائية في جسمك لأنها تتفاعل بسهولة مع الجزيئات الأخرى. حيث تلجأ إلى الارتباط بذرات وجزيئات أخرى في الجسم للحصول على الاستقرار، هذه التفاعلات تسمى الأكسدة؛ ويمكن أن تكون إما مفيدة أو ضارة.

أما مضادات الأكسدة، فهي المواد التي تقلل أو تمنع آثار الجذور الحرة. وذلك من خلال التبرع بالإلكترونات للجذور الحرة لكي تصبح مستقرة، وبالتالي تقلل من تفاعلها. يساعد هذا التأثير المُعادل لمضادات الأكسدة على حماية الجسم من الإجهاد التأكسدي. وتأتي مضادات الأكسدة من عدة مصادر مختلفة مثلها في ذلك مثل الجذور الحرة. فخلايا الإنسان تنتج بشكل طبيعي مضادات للأكسدة مثل الجلوتاثيون (glutathione)؛ ولكن النظام الغذائي للإنسان (الغذاء) يُعتبر المصدر الأهم لمضادات الأكسدة. حيث توفر الأطعمة مثل الفواكه والخضروات العديد من مضادات الأكسدة الأساسية على شكل فيتامينات ومعادن لا يستطيع الجسم تكوينها بمفرده. ومن الأمثلة عن الفيتامينات المضادة للأكسدة نذكر: فيتامين (أ) بالإنكليزية (A)، فيتامين (سي) بالإنكليزية (C)، وفيتامين (إي) بالإنكليزية (E).

ما هو الإجهاد التأكسدي ؟

نلوث-الهواء-مسببات-الإجهاد-التأكسدي

بصفة عامة، تعتبر الأكسدة من العمليات الطبيعية والضرورية التي تحدث في جسم الإنسان. تُنتج خلايا الجسم الجذور الحرة أثناء عمليات التمثيل الغذائي الاعتيادية. كما تُنتج أيضاً مضادات الأكسدة التي تعمل على تحييد هذه الجذور الحرة.

في الحالات الطبيعية، الجسم قادر على الحفاظ على التوازن بين مضادات الأكسدة والجذور الحرة. ولكن الإجهاد التأكسدي يحدث عند وجود خلل بين نشاط الجذور الحرة ونشاط المواد المضادة للأكسدة. في الواقع، عندما تعمل الجذور الحرة بشكل صحيح فإنها تساهم في الوقاية من مًسببات الأمراض المختلفة التي قد تؤدي إلى الإصابة بأنواع مختلفة من العدوى. ولكن عندما يكون هناك أعداد كبيرة من الجذور الحرة بما يفوق قدرة مضادات الأكسدة على أن تبقيها في حالة الاستقرار أو التوزان، تبدأ هذه الجذور الحرة بإلحاق الضرر بالنسيج الدهني والحمض النووي والبروتينات في جسمك.

بصفة عامة، هناك عوامل عدة قد تساهم في الإجهاد التأكسدي والإفراط في إنتاج الجذور الحرة. يمكن أن تشمل هذه العوامل كل مما يلي:

  • نظام غذائي غير صحي.
  • نمط حياة كسول، خالٍ من النشاط البدني، مع ممارسة عادات غير صحية.
  • العوامل البيئية، مثل تلوث الهواء والتعرض للإشعاع.
  • حالات مَرَضية محددة.

ضع في اعتبارك أن الاستجابة المناعية الطبيعية للجسم يمكن أن تؤدي أيضاً إلى تحفيز الإجهاد التأكسدي بشكل مؤقت. يتسبب هذا النوع من الإجهاد التأكسدي في حدوث التهاب خفيف يزول بعد أن يقاوم الجهاز المناعي العدوى أو يُصلح الإصابة. أما الإجهاد التأكسدي غير المنضبط، فمن الممكن أن يؤدي إلى تسريع عملية الشيخوخة وقد يساهم في تطوير عدد من الأمراض الخطرة.

آثار الإجهاد التأكسدي على جسم الإنسان؟

آثار-الاجهاد-التأكسدي

في الحقيقة، تختلف تأثيرات الإجهاد التأكسدي ولا تكون ضارة دائماً. على سبيل المثال، قد يكون للإجهاد التأكسدي الناتج عن النشاط البدني آثار مفيدة وتنظيمية على الجسم. فعلى الرغم من أن التمارين تزيد من تكوين الجذور الحرة – والتي يمكن أن تسبب ضغطاً مؤكسداً مؤقتاً في العضلات – إلا أن هذه الجذور الحرة التي تتشكل أثناء النشاط البدني تنظم نمو الأنسجة وتُحَفز إنتاج مضادات الأكسدة.

وأيضاً، قد يؤدي الإجهاد التأكسدي الخفيف إلى حماية الجسم من العدوى والأمراض. ففي دراسة أجريت عام 2015، وجد العلماء أن الإجهاد التأكسدي حد من انتشار خلايا سرطان الجلد لدى الفئران. وعلى الرغم من ذلك، فإن الإجهاد التأكسدي طويل الأمد يضر بخلايا الجسم إضافةً للبروتينات والحمض النووي. وبالنظر إلى أن البروتينات والدهون والحمض النووي تشكل جزءاً كبيراً من جسم الإنسان؛ فمن الممكن أن يساهم هذا الضرر في الشيخوخة وقد يلعب دوراً مهماً في تطوير مجموعة من الأمراض. مثل:

  • داء السكري.
  • تصلب الشرايين والأوعية الدموية. 
  • الاضطرابات المَرَضيّة الالتهابية. 
  • ارتفاع ضغط الدم.
  • أمراض القلب
  • إعتام عدسة العين وضعف البصر المرتبط بالعمر.
  • الأمراض التنكسية العصبية؛ مثل: مرض باركنسون (الشلل الرعاش) والزهايمر. 
  • السرطان. 
  • الشيخوخة المبكرة.
  • متلازمة التعب المزمن.
  • العقم لدى الذكور.
  • الربو.

كيف يؤثر الإجهاد التأكسدي على تطور الأمراض المزمنة لدى الإنسان؟

سنوضح في هذه الفقرة ما هي الآلية التي يُسهم من خلالها الإجهاد التأكسدي أو يتسبب في الإصابة بمجموعة الأمراض المُزمنة والخطيرة التي ذكرت أعلاه.

1- الالتهاب المُزمن:

بالطبع، يمكن أن يسبب الإجهاد التأكسدي التهاباً مُزمناً. في الواقع، تؤدي العدوى والإصابات إلى تحفيز استجابة الجسم المناعية. وتنتج الخلايا المناعية – التي تسمى البَلاعم (macrophages) – الجذور الحرة أثناء مقاومتها للجراثيم الغازية. هذه الجذور الحرة يمكن أن تلحق الضرر بالخلايا السليمة، مما يؤدي إلى الالتهاب. في ظل الظروف العادية، يزول هذا الالتهاب بعد أن يقضي جهاز المناعة على العدوى أو يُصلح الأنسجة التالفة.

غَيْرَ أَنَّه وفي بعض الأحيان يمكن للإجهاد التأكسدي أن يؤدي إلى الاستجابة الالتهابية (inflammatory response)، والتي بدورها تنتج المزيد من الجذور الحرة التي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الإجهاد التأكسدي، مما يخلق دورة أو حلقة متبادلة. وقد يؤدي الالتهاب المزمن الناتج عن الإجهاد التأكسدي إلى العديد من الحالات الخطيرة، بما في ذلك مرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية والتهاب المفاصل.

2- الأمراض العصبية:

كما ذكرنا سابقاً، قد تساهم تأثيرات الإجهاد التأكسدي في العديد من حالات التنكس العصبي، مثل مرض الزهايمر ومرض باركنسون. في الحقيقة، الدماغ عُرضة بشكل خاص للإجهاد التأكسدي لأن خلايا الدماغ تحتاج إلى كمية كبيرة من الأكسجين. وفقاً لمراجعة أجريت في عام 2018، يستهلك الدماغ 20% من إجمالي كمية الأكسجين التي يحتاجها الجسم لتغذية نفسه. وتستخدم خلايا الدماغ الأكسجين لأداء أنشطة التمثيل الغذائي المكثفة (الاستقلاب) التي تولِّد الجذور الحرة. حيث تساعد هذه الجذور الحرة في دعم نمو خلايا الدماغ، والمرونة العصبية، والأداء المعرفي.

أثناء الإجهاد التأكسدي، يمكن أن تتسبب الجذور الحرة الزائدة في إتلاف الهياكل داخل خلايا الدماغ وحتى أنها قد تسبب موت الخلايا؛ الأمر الذي قد يزيد من خطر الإصابة بمرض باركنسون. إضافةً لذلك، يغير الإجهاد التأكسدي أيضاً البروتينات الأساسية، مثل ببتيدات أميلويد بيتا (amyloid-beta peptides). وفقاً لمراجعة منهجية واحدة عام 2018، قد يؤدي الإجهاد التأكسدي إلى تعديل هذه الببتيدات بطريقة تساهم في تراكم لويحات الأميلويد (amyloid plaques) في الدماغ. وهذه علامة رئيسية لمرض الزهايمر.

ما هي العوامل المُسببة للإجهاد التأكسدي ؟

لحوم-مصنعة-هوت-دوغ

كما ذكرنا سابقاً عندما تتراكم الجذور الحرة في الجسم تتولد ظاهرة الإجهاد التأكسدي. وقد تتساءل من أين تأتي الجذور الحرة في المقام الأول؟

في الواقع، يمكن إنتاج الجذور الحرة بعدة طرق مختلفة. ينتج جسم الإنسان القليل من الجذور الحرة بشكل طبيعي خلال بعض العمليات مثل ممارسة التمارين الرياضية أو محاربة الالتهابات، وهذا أمر طبيعي وجزء من نظام الجسم المُعقد للحفاظ على نفسه بصحة جيدة. كما قد تتولد الجذور الحرة من عمليات التمثيل الغذائي الطبيعية في الجسم، أو عن طريق التعرض لمواد مسرطنة (مواد مسببة للسرطان) في البيئة المحيطة.

على وجه الخصوص، هناك عوامل متعلقة بأسلوب حياة الفرد وروتينه اليومي قد تزيد من خطر الإصابة بالإجهاد التأكسدي المُزمن أو طويل الأمد؛ نذكر منها:

  • التعرض للأشعة فوق البنفسجية
  • السُمنة
  • التعرض للمواد الكيماوية مثل المبيدات والمنظفات
  • التدخين أو استنشاق دخان السجائر (التدخين السلبي)
  • التعرض المتكرر للإشعاع الطبي
  • تلوث الهواء
  • تناول الأطعمة المقلية والمُصنعة
  • الضغوط النفسية
  • اتباع نظام غذائي غني بالسكر والدهون والكحول

طرق الوقاية من الإجهاد التأكسدي

في الحقيقة، ربما يكون منع تشكّل الجذور الحرة والتعرض للإجهاد التأكسدي أمراً مستحيلاً، ولكن هناك أشياء يمكنك اتباعها للحد من آثاره السلبية على جسمك. الشيء الرئيسي الذي يجب أن تسعى إليه هو زيادة مستوى مضادات الأكسدة وتقليل تَشْكيل الجذور الحرة. يمكنك فعل ذلك من خلال اتباع نظام غذائي يحتوي على مواد مضادة للأكسدة بكميات كافية للجسم. فمن الضروري تناول خمس حصص يومياً من مجموعة متنوعة من الفواكه والخضروات، فهي أفضل وسيلة لتزويد جسمك بما يحتاجه من المواد المضادة للأكسدة.

أهم أنواع الفواكه والخضروات التي تحتوي على كميات مرتفعة من مضادات الأكسدة:

مضادات-الاكسدة-توتيات

  • التوتيات
  • الكرز 
  • الحمضيات 
  • الخوخ 
  • الخضروات الورقية الداكنة
  • البروكلي 
  • الجزر 
  • الطماطم (البندورة)
  • الزيتون

مصادر غذائية وأطعمة أخرى تحتوي على مضادات للأكسدة:

  • الأسماك 
  • المكسرات
  • فيتامين إي
  • فيتامين سي 
  • الكركم 
  • الشاي الأخضر  
  • البصل 
  • الثوم
  • القرفة 

وأيضاً، إليك بعض الخيارات الأخرى التي يمكن أن تمنع أو تقلل الإجهاد التأكسدي وتساعدك على اتباع نمط حياة صحي:

  1. ممارسة الرياضة العادية أو المعتدلة: لقد ارتبط هذا الأمر مع ارتفاع مستويات مضادات الأكسدة الطبيعية في الجسم، وانخفاض الأضرار الناجمة عن الإجهاد التأكسدي. كما ارتبطت ممارسة التمارين الرياضية بانتظام مع كل مما يلي: طول العمر، تقليل آثار الشيخوخة، وانخفاض خطر الإصابة بالسرطان والأمراض المُزمنة.
  2.  الإقلاع عن التدخين والابتعاد عن التدخين السلبي.
  3. التقليل من تناول الكحوليات.
  4. توخي الحذر من استخدام المواد الكيميائية: ويشمل هذا مواد التنظيف الكيميائية، تجنب التعرض للإشعاع غير الضروري، والانتباه للمصادر الأخرى التي من الممكن أن تعرضك للمواد الكيميائية، مثل المبيدات المستخدمة في الأطعمة أو في الحدائق.
  5.  الحفاظ على البيئة: تساعد المبادرات الصديقة للبيئة مثل ركوب الدراجات الهوائية أو مشاركة السيارات في تقليل إنتاج الجذور الحرة بالنسبة لك ولمجتمعك المحيط.
  6.  استعمال الواقي الشمسي: حيث يحمي الكريم الواقي من أشعة الشمس من ضرر الأشعة فوق البنفسجية على البشرة.
  7.  النوم لساعات كافية: عليك الحرص على النوم يومياً لعدد كافي من الساعات (7 ساعات يومياً على أقل تقدير)، وذلك للحفاظ على توازن جميع الأنظمة في جسمك، مثل: وظيفة الدماغ، إنتاج الهرمونات، مضادات الأكسدة، وما إلى ذلك.
  8.  تجنب المبالغة في تناول الطعام: فقد بينت الدراسات أن الأكل المستمر والإفراط في تناول الطعام يعرضان جسمك إلى حدوث الإجهاد التأكسدي. لذا عليك تناول الطعام على فترات متباعدة مناسبة، وتناول وجبات صغيرة ومعتدلة.

الخلاصة:

أخيراً، تعد الجذور الحرة ومضادات الأكسدة وظيفة من وظائف الجسم الطبيعية والصحية. ولكن إذا حدث عدم توازن بين الجذور الحرة ومضادات الأكسدة، ينتج الإجهاد التأكسدي الذي قد يسبب تلف العديد من أنسجة الجسم؛ وبالتالي إمكانية الإصابة بعدد من الأمراض مع مرور الوقت. وعلى الرغم أنه لا يمكن تجنب التعرض للجذور الحرة تماماً، إلا أنه من الممكن اتباع بعض الأنماط التي تساعدك في الحفاظ على التوازن ومنع الأمراض، مثل: اتباع نظام غذائي صحي وممارسة بعض التمارين الرياضية.

مصدر PubMed Onlinelibrary Pmc
اترك تعليقا